بمناسبة اليوم العالمي للتراث.. خبير آثار: يجب اتباع نهج شامل لحماية المواقع التراثية من الصراعات
الشرق -
ثقافة وفنون

12

17 أبريل 2024 , 10:19ص

المسجد العمري في غزة بعد قصفه

الدوحة - قنا

يحتفي العالم في الثامن عشر من أبريل كل عام، باليوم العالمي للتراث أو اليوم العالمي للآثار والمواقع، حيث تم اقتراح الاحتفال بالتراث الثقافي والتاريخ المشترك وثقافات العالم في مثل هذا اليوم سنويا، من قبل منظمة المجلس الدولي للآثار والمواقع "ICOMOS" في عام 1982.

اقرأ أيضاً

ووافقت منظمة "اليونسكو" في مؤتمرها العام الثاني والعشرين المنعقد عام 1983 على هذا الموعد.. ومنذ ذلك الحين، تقوم منظمة ICOMOS باقتراح موضوع محدد للاحتفال السنوي بالتراث.

ويحمل شعار الاحتفال هذا العام عنوان /الصراعات والكوارث من منظور وثيقة البندقية: الكوارث الطبيعية والصراعات، ثبات (صبر) الإرث - التأهب، الاستجابة والقدرة على التعافي/، وجعلته "اليونسكو" محط أنظار العالم، وذلك من أجل لفت الانتباه إلى التأثير العميق للصراعات والحروب والكوارث الطبيعية على التراث العالمي.

وفي هذا الصدد، نبه الخبير في علم الآثار الدكتور طارق مداني، أستاذ مادة العمارة وعلم الآثار بجامعة محمد الأول بوجدة (المغرب)، وعضو بإدارة الكرسي العلمي عمارة حول التراث المعماري المغربي الأندلسي بجامعة محمد السادس، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إلى المخاطر التي تهدد الممتلكات الثقافية، بسبب النزاعات والكوارث والتي تشكل خطرا على سلامة الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من هذه المواقع أو الذين يعملون على حمايتها. كما يمكنها أن تجعل الوصول إلى المواقع التراثية أمرا صعبا أو خطيرا، مما يحد من جهود الحفاظ عليها.

وأشار إلى أن وثيقة البندقية، المعروفة أيضا باسم "توصيات للحفاظ على المواقع الثقافية والتاريخية" التي نشرتها اليونسكو عام 1964، ـ والتي يتمحور حولها موضوع احتفالية هذا العام ـ، تتناول عدة جوانب تتعلق بالنزاعات والكوارث الطبيعية. حيث يمكن للنزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية أن تسبب أضرارا كبيرة للمواقع التاريخية والثقافية، مما يؤدي إلى إتلاف أو تدمير المباني والتحف والأعمال الفنية. وأكد أن أوقات الأزمات تفرض على البلدان والهيئات الدولية والمتخصصين في التراث على حد سواء، تحديات كبيرة تتطلب بذل جهود خاصة لحماية المواقع الثقافية والحفاظ عليها.

وأضاف الدكتور طارق مداني "في فترات الأزمات والكوارث، وتبعا لسلم الأولويات، تصبح الموارد المالية والبشرية والتقنية اللازمة لحماية التراث محدودة. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي الضرر الذي يلحق بالمواقع الثقافية إلى خسارة لا رجعة فيها لتاريخ المجتمع وذاكرته الثقافية"، لافتا إلى أن من صعوبات إعادة التأهيل لهذه المواقع الضرر الذي يلحق بها بعد الصراعات والكوارث، هو إصلاحها وترميمها، والذي يمكن أن يستغرق وقتا طويلا ومكلفا.

وبخصوص إمكانية وقف الهجمات على المواقع التراثية وحمايتها من الصراع، وكيف يمكن تشجيع المجتمعات المحلية على الحفاظ على هويتها وتراثها والحفاظ عليهما، أكد أستاذ مادة العمارة وعلم الآثار، أن حماية المواقع التراثية من الصراعات والهجمات، تتطلب اتباع نهج شامل يجمع بين التدابير الوقائية والتعاون الدولي، وزيادة الوعي بالتحديات التي تواجه حماية التراث الثقافي.

وأضاف أننا بحاجة إلى تطوير استراتيجيات قصيرة وطويلة المدى لحماية المواقع التراثية من الهجمات المرتبطة بالصراع.

ولخص الدكتور طارق مداني، هذه الاستراتيجية في عدد من الأبعاد والمستويات:

فعلى مستوى الإطار القانوني والتنظيمي، دعا إلى العمل على تعزيز القوانين الدولية وتعزيز احترام الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية لاهاي لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح (1954) وبروتوكولها والتي تحظر الهجمات على الممتلكات الثقافية، مع تشجيع الحكومات على اعتماد وتنفيذ قوانين وطنية تتوافق مع المعايير الدولية لحماية التراث.

وعلى مستوى التعاون الدولي، دعا إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو لتبادل المعلومات والموارد ونشر أفضل الممارسات. ثم التعاون مع الدول والقوات العسكرية لرفع مستوى الوعي بالتزامات حماية التراث ومنع الهجمات.

وأضاف: "كما يجب أن تحظى مسألة الوقاية والتخطيط بنفس القدر من الأهمية، وذلك بوضع خطط لإدارة المخاطر، وبروتوكولات أمنية، واستراتيجيات طوارئ لحماية المواقع الثقافية.

إلى ذلك، نبه خبير الآثار إلى نقطة مهمة أخرى، تتعلق بجانب التكوين والتعليم وحث على وجوب تدريب الموظفين المسؤولين عن حماية التراث على إدارة المخاطر والتدابير الأمنية، وعلى تدابير أخرى تتعلق بالرصد والتوثيق ووضع أنظمة مراقبة للكشف عن التهديدات المحتملة والتصرف بسرعة. كما أنه من الضروري أيضا إنشاء قوائم جرد تفصيلية للمواقع التراثية مع الأوصاف والصور الفوتوغرافية والخطط.

 

أما بالنسبة لمسألة التوعية والتثقيف، فشدد طارق مداني على أهمية إعلام الفاعلين المحليين ورفع مستوى الوعي لدى المجتمعات المحلية والجهات المسلحة بأهمية حماية التراث الثقافي.

في المقابل، دعا إلى تعزيز التسامح واحترام التنوع الثقافي للحد من الصراعات، وتعزيز البنية التحتية للمواقع التراثية لجعلها أكثر مقاومة للهجمات، مع اتخاذ خطوات لإخلاء وتأمين الأشياء الثمينة والأعمال الفنية في حالة وجود تهديد وشيك.

ومن خلال الجمع بين هذه الاستراتيجيات المختلفة، يرى خبير علم الآثار، أنه من الممكن زيادة حماية المواقع التراثية ضد الهجمات والتهديدات المرتبطة بالصراع. ومع ذلك، فمن الضروري أن تكون هناك إرادة سياسية والتزام دولي لتنفيذ هذه التدابير بفعالية.

وفي نفس المجال، دعا إلى وجوب التفكير في بعض الأساليب لتشجيع المجتمعات المحلية على الحفاظ على هويتها وحماية تراثها وتعزيزه من قبيل: التوعية وتنفيذ برامج تثقيفية لتعريف أفراد المجتمع بأهمية تراثهم الثقافي، وتنظيم ورش عمل لتعليم السكان كيفية الحفاظ على تراثهم وحمايته، وتشجيع أفراد المجتمع على المشاركة الفعالة في إدارة تراثهم والحفاظ عليه، ثم استشارة المجتمع بشأن مشاريع الحفظ والترميم لضمان مراعاة احتياجاتهم ومصالحهم.

أما النهج الآخر للحفاظ على المآثر من وجهة نظر طارق مداني، فهو مرتبط بالدعم المالي والفني، حيث يجب أن يقدم الدعم المالي والفني لهده المجتمعات لمساعدتها في الحفاظ على تراثها وتقديم المنح أو الحوافز المالية لمشاريع الحفظ المحلية.

وتابع قائلا: "يمكننا أن نضيف مسألة تعزيز التراث من خلال تطوير السياحة المستدامة التي تعزز التراث المحلي مع الحفاظ على المواقع التاريخية. وربما تنظيم مهرجانات وفعاليات ثقافية للاحتفاء بالتراث ولفت الانتباه إلى أهميته.

ومع كل هذا، أكد أستاذ مادة العمارة وعلم الآثار، أنه لن تجدي كثيرا المقترحات الآنفة الذكر، إذا لم يكن هناك عمل متعمق وحماية قانونية في الواقع. واعتماد قوانين محلية لحماية التراث الثقافي والتاريخي. والعمل على رفع مستوى الوعي بالقوانين من خلال إعلام المجتمعات بالحماية القانونية القائمة لمساعدتهم على إنفاذ حقوقهم.

وشدد على ضرورة تشجيع التعاون بين الدول والمنظمات والخبراء لتبادل المعرفة والموارد اللازمة لحماية التراث. وإعلام المجتمعات المحلية بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي وإشراكهم في جهود الحماية.

في الوقت نفسه، نوه إلى مسألة التوثيق وجرد التراث والحفاظ على سجلات مفصلة وحديثة للمواقع الثقافية، ولاسيما الصور الفوتوغرافية والتصاميم، والأرشيف الرقمي للمساعدة في الترميم في حالة حدوث ضرر.

وأشار مداني إلى أنه من الطبيعي عند ترميم المواقع، الحرص على استخدام تقنيات الترميم المناسبة لإصلاح وإعادة تأهيل المواقع المتضررة، مع احترام أصالة الأماكن وسلامتها، إذ من خلال تنفيذ هذه الأساليب، سيتم تشجيع المجتمعات المحلية بشكل أكبر وتجهيزها بشكل أفضل لحماية هويتها وتراثها والحفاظ عليهما. وهذا يتطلب التزام جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات والمنظمات الدولية والجهات الفاعلة المحلية.

جدير بالذكر، أن عددا من المواقع الأثرية لحقها دمار كبير جراء العدوان الإسرائيلي على غزة.

وأوضحت /اليونسكو/ على موقعها الإلكتروني 7 مارس الماضي، أنها تحققت من الأضرار التي لحقت بـ41 موقعا منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، إذ تضررت 10 مواقع دينية و22 مبنى، ذو أهمية تاريخية و/أو فنية، ومستودعان للممتلكات الثقافية المنقولة و3 صروح أثرية ومتحف واحد و3 مواقع أثرية.

وكانت اليونسكو قد أجرت تقييما أوليا للأضرار التي لحقت بالممتلكات الثقافية عن بعد باستخدام أساليب، كاللجوء إلى البيانات والمعلومات المستقاة من معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث /مركز الأمم المتحدة المعني بالسواتل، بسبب استحالة إجراء تقييم ميداني في ظل الظروف الراهنة.

أخبار ذات صلة

مساحة إعلانية



إقرأ المزيد