الشرق - 5/13/2025 11:36:47 PM - GMT (+3 )

الدوحة - قنا
صخور بنّية اللون على شكل هضبة صغيرة عليها نقوش أثرية قديمة تتوسط إحدى قاعات معرض الدوحة الدولي للكتاب في نسخته الرابعة والثلاثين، بمركز الدوحة للمعارض والمؤتمرات، وحولها أحجار منقوشة بعناية، وآلات رقن من القرن الماضي، بالإضافة إلى حاسوب لوحي ذكي يصمّم عليه فنان إحدى إبداعاته، بعيدا عن القلم والورق.. كل ذلك يجسد بشكل عملي شعار معرض الكتاب /من النقش إلى الكتابة/.
وفي تحفيز فني بصري لزوار المعرض من قبل القائمين عليه، لاستكشاف أولى الخطوات التي استعان بها الإنسان قديما عامة، والقطري خاصة لتدوين حياته اليومية على النقوش الصخرية في منطقة الجساسية، بما يعكس أهمية الكتابة كإحدى أعمدة الحضارة التي شكلت هوية الأمة، في رحلة بدأت بالنقش الصخري وصولًا إلى فنون الخط الرفيعة، ومنها إلى الكتاب المطبوع، ثم الإبداع الرقمي، وإبراز المسار الذي قطعته الكتابة في العالم العربي الإسلامي.
ويبيّن الشعار /من النقش إلى الكتابة/، مكانة القلم والكتابة لدى المسلمين، الذين أولوا أدواتها اهتماماً بالغاً، وساهموا في مختلف العصور بإثراء العلوم والمعارف من خلال التأليف والتدوين، وأن دولة قطر كانت جزءًا فاعلًا في هذه المسيرة، حيث تعود بدايات التعبير الكتابي فيها إلى النقوش الصخرية في منطقة الجساسية والشمال، والتي شكلت أداة تواصل بصري مع المحيط الطبيعي والثقافي، وفي مراحل لاحقة، تطور الخط العربي على يد أحد الرواد، وهو الخطاط الشيخ أحمد بن راشد بن جمعة المريخي، خاصة في مدينة الزبارة الأثرية، التي كانت مركزاً للعلم والعلماء.
كما يعكس الشعار، الدور الريادي الذي قام به الشيخ المؤسس جاسم بن محمد بن ثاني، طيب الله ثراه، في نشر المعرفة، بإطلاق قوافل الكتب المطبوعة من لوسيل إلى المناطق المجاورة، لنشر العلم.
وأثرت هذه التطورات في نمو الذوق الفني لأجيال من الخطاطين العرب الذين حافظوا على اللغة العربية وجعلوا من الخط عنصرا مـن عناصر الهوية العربية الإسلامية فتبلورت فيه جماليّة الفن الإسلامي وخصوصية الفكر التوحيدي بقيامه علـى التجريد.
ولئن شكلت فنون الخط ثروة فنية تجذرت في اللغـة والتاريخ والحضارة وطبعت الثقافة العربية والإسلامية بطابعها المميّز حتى تجلت آثارهـا فـي معمار وفنون الأمم الأخرى، فإن رحلة الحرف حطت فـي شواغل التشـكيليين العرب، فجعلـوا "الحرف" قيمـة فنية وبُعدا جماليا زاد فـي تأكيد الطابع الإبداعي للكتابة العربية، باعتبارها ملهمة في جميع جوانبها شكلا ومضمونا، ولا يقف إلهامها عند حدود الماضي، وإنما هي معين خصب لتجارب الإبداع العربي في مختلف المجالات والعصور.
وفي هذا الصدد، يجلب الفنان القطري فهد المعاضيد، كل صباح معه صخورا من منطقة الشمال والجساسية، إلى معرض الكتاب وينفذ عليها أعمالا فنية مستخدما وسائل تقنية حديثة في النقش، ليخرج في الأخير بأيقونات فنية تسرّ الناظرين.
وقال الفنان فهد المعاضيد المسؤول عن جناح الفنون التشكيلية في معرض الدوحة الدولي للكتاب، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن ما يتم تقديمه لزوار المعرض، يجسد شعار المعرض /من النقش إلى الكتابة/ ويثري معارفهم، ويحثهم على البحث والتقصي.
وأضاف: تم تصميم هذا الجناح وفقا للبيئة في شمال قطر والجساسية والزبارة وعين محمد، وأم تثنتين، حيث إنها تزخر بهذه البيئة الصخرية التي تزينها نقوش بشرية مرّ عليها آلاف السنين، لم يستطع العلم الحديث فكّ رموزها، مرورا بالكتابة بالريشة على الجلود وأوراق البردي، وهي نقلة كبيرة في الحضارة الإنسانية، ووصولا إلى الآلات الكاتبة التي كانت تستخدم إلى حدود نهاية القرن الماضي، ثم التطور التقني مع دخول الكمبيوتر، والحواسيب والألواح الذكية.
وأشار المعاضيد، إلى أن رحلة قرابة نصف ساعة، تخوّل لزوار معرض الدوحة الدولي للكتاب أن يغوصوا في حقب زمنية متعاقبة شاهدة على تطور الكتابة والتعبير عند الإنسان، من العصر الحجري، وصولا إلى العصر الحديث المعاصر.
وباعتبار أن أنواع الصخور تختلف من مكان إلى آخر في قطر، فإن فهد المعاضيد، ينتقي الأحجار التي يمكن النقش عليها، ويطوّعها بآلة المثقاب، في حين أن الصخور الصلصالية، فإنها سريعة الكسر.
إلى ذلك، يوجد جناحان مخصصان للأعمال الفنية، واحد لعرض أعمال الفنانين، وآخر عبارة عن ساحة يمارس فيها فنانون الرسم الحي أمام الجمهور.
من جانبه، كان الخطاط عيسى الفخرو منهمكا في كتابة أسماء زوار المعرض، بخطوط عربية تنساب في جمالية من قلمه الخشبي، يوثقون بها ذكرى زيارتهم لهذا المحفل الثقافي السنوي.
وقال عيسى الفخرو في تصريح مماثل لـ/قنا/، إن هذا الجناح، أفضل تجسيد لشعار المعرض، حيث كل فنان، يقدم أعمالا تعبر عن حقبة معينة في تطور الكتابة، مؤكدا أن أهمية الكتابة تكمن في توثيق خبرات وعلم الإنسان، الذي تم توارثه من جيل إلى جيل، منوها في الوقت نفسه، بأن الكتابة العربية ارتبطت ارتباطا كاملا في البداية بتدوين المصحف الكريم، بصفة خاصة، ثم علوم الدين بصفة عامة، ومنها توزع إلى باقي العلوم الأخرى.
ولفت عيسى الفخرو، أن الخط العربي له جاذبية خاصة غير موجودة في غيره من الخطوط، وهو ما يشي بالطوابير الطويلة التي تقف لوقت طويل من أجل الظفر بكتابة أسمائها بهذا الخط.
من جانبه، وظف الفنان عيسى الملا، في تعبيراته الفنية، تقنية إعادة التدوير في إنتاج أعمال تمتح من حياة البادية بأشكالها المتنوعة وألوان ملابسها المزركشة البراقة التي تنتمي إلى السدو.
وعلى نفس المنوال سارت الفنانة وضحى السليطي، التي وظفت الخط العربي في العباءة القطرية، حيث تولي المرأة القطرية اهتماما عميقا بالزخارف المميزة التي تزين ملابسها التقليدية، وتعكس جزءا من هويتها الثقافية والتاريخية.
ودأبت وضحى السليطي على تطوير مشروعها الفني بتوظيف الخط العربي في مجموعة جديدة من الأعمال التي تشمل الكتب الفنية والمعلقات واللوحات.
ويتواصل معرض الدوحة الدولي للكتاب في إبهار زواره ببرنامجه الثري وتقديم مائدة من العناوين الدسمة إلى يوم السبت المقبل.
مساحة إعلانية
إقرأ المزيد