الشرق - 11/25/2025 7:34:09 AM - GMT (+3 )
دشنت المؤسسة القطرية للإعلام أمس الموقع والمنصة الإلكترونية للموسوعة الإعلامية؛ المشروع المعرفي الجديد والأول من نوعه في الخليج والوطن العربي، وذلك بحضور سعادة الشيخ خالد بن عبدالعزيز بن جاسم آل ثاني، الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام، ولفيف من الخبراء والعاملين في المؤسسة، من مسؤولين وإعلاميين.
وبهذه المناسبة، ألقى السيد محمد بن سلعان المري، المشرف العام على الموسوعة الإعلامية كلمة أكد فيها أن «اللقاء ليس مجرد تكريم لإنجاز مؤسسي، بل هو إعلان عن ميلاد مسار جديد في التفكير الإعلامي؛ مسار يسعى إلى إعادة بناء الفهم، وتصحيح المفاهيم، ومنح المنظومة الإعلامية صبرها ورسوخها، وإعادة المعرفة إلى مكانتها التي تستحقها».
وأضاف قائلا: «إنّ الموسوعة الإعلامية التي نُدشّن اليوم موقعها ومنصّتها الإلكترونية، نأمل أن تكون نافذة حيّة تطلّ منها الأجيال على عالم الإعلام بمفاهيمه وأدواته ورؤاه. ونرجو أن تكون جسرًا يصل بين المهتمين والخبراء، ويقرّب العلم من الممارسة، والفكرة من الواقع».
وأشار المشرف العام على الموسوعة الى أن اللجنة عملت على تبسيط استخدام المنصة، وجعلها غنيّة في محتواها، سهلة الوصول من أي مكان، تتجدّد باستمرار، وتواكب التحديث والتطوير، وتضيء كل جديد في عالم الإعلام. مضيفا: «وإننا نقدّمها اليوم بكل فخر وسعادة، لتكون في متناول كل مهتم بالإعلام، ولتسهم في مسيرة البحث، والتطوير، ودعم المعرفة، وخدمة المجتمع».
- قراءة جديدة
وشهدت الاحتفالية جلسة حوارية بعنوان «نحو قراءة جديدة في بنية المفهوم الإعلامي»، أدارها المذيع بتلفزيون قطر عبدالرحمن الشمري، وشارك فيها كل من: الأستاذ الدكتور محمد الخطيب، أستاذ اللسانيات بجامعة الأزهر الشريف وعضو اللجنة العلمية بمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، والأستاذة الدكتورة حنان أحمد الفياض، عضو هيئة التدريس بجامعة قطر، والإعلامي الأستاذ أحمد الشيخ.
تطرقت أ.د. حنان الفياض الى العلاقة بين الموسوعة وإعادة تشكيل العقل العلمي للأمة فقالت: علينا أن نعترف بحقيقة وهي أن أي مشروع إنساني لا يمكن أن يكون مؤثرا إذا لم يحظ برعاية مؤسسية تؤمن برسالته، ومشروع الموسوعة الذي نقف على عتبته اليوم ينهض برعاية مؤسسية متخصصة في مجاله وهذه من وجهة نظري أبرز ميّزات هذا المشروع متشعّب السياقات.
وأضافت: إذا فهمنا أن الموسوعة ليست «مشروع تجميع»، بل «مشروع هندسة معرفية» يعيد تشكيل العقل العلمي عبر: توحيد المفاهيم وشرحها، ضبط المصطلحات الإعلامية، بناء منظومة معرفية مرجعية.. بهذا المعنى، لا تعيد الموسوعة تشكيل العقل العلمي فقط، بل تُعيد بناء «بوصلة التفكير» ذاتها، خاصة عندما نقرأ هذا في السياق التاريخي للفكر العربي، معتبرة أن الموسوعة الإعلامية امتداد للعقل العربي الموسوعي، الذي يحاول أن ينهض بمسؤوليته في الحد من صراع المعرفة وتشتت طالبيها.
- واجب المعرفة
بدوره قال أ.د. محمد الخطيب متحدثا عن أهمية وجود موسوعة قطرية للإعلام: من المعروف أن أي عمل جاد يكتنفه أمران: الأمر الأول واجب الوقت والثاني واجب المعرفة، واجب الوقت حينما نُسأل: لماذا هذه الموسوعة الآن؟ آن لنا أن نخرج من ذل الآخر إلى عز العطاء. نحن نملك عقولا ومواهب وأفكارا وإرادات فلماذا نكون عالة على غيرنا؟ الوقت يقول لنا لابد أن نخرج لان الحضارات لا تنتظر. والأمر الثاني وهو واجب المعرفة: نحن نعيش عصر الانفجار المعرفي، والذي نجد معه وهم المعرفة أيضا.
حينما نسأل عن لفظة «الإعلام» ما المراد بها؟ كيف نشأت؟ ما سيرورتها في حياتنا؟ لحساب من تعمل هذه اللفظة؟ مع هذا التراكم المعرفي يكون عندنا وهم معرفي ايضا؛ ولذلك كانت هذه الموسوعة تلبية لواجب الوقت ولواجب المعرفة. مضيفا: ينبغي أن يخرج العربي من الاستهلاك والانفعال الى الفهم والمساءلة، وأول مساءلة هي أن نسائل المصطلحات، ونفككها وهو ما تحاول الموسوعة فعله.
ردا على سؤال: لماذا الإعلام بحاجة اليوم الى موسوعة؟ قال أ. أحمد الشيخ: لأنه بحاجة الى من يعيد التنظيم الى أوصاره التي أصبحت هشّة ومتداخلة بسبب وسائط التواصل الاجتماعي. مضيفا: نحن بحاجة الى هذه البوابة المعرفية لكي نفهم ما يدور حولنا. نحن بحاجة الى أن نفكك المصطلح كي نفهم تاريخه ومضامينه وأبعاده، وبهذا يستطيع الصحفي أن يستخدمه استخداما صحيحا في ما يكتب أو في ما يقول.
في محور آخر طُرح سؤال مرجعي هام وهو: هل الموسوعة أداة لتوحيد المفاهيم وبناء رؤية حضارية مشتركة؟ وفي هذا السياق قالت أ.د.حنان الفياض: رؤية هذه الموسوعة تقوم على بعدين: البعد الأول علمي، ومنهجه سيتحدث فيه الدكتور الخطيب، والثاني: إنساني يتخذ من توحيد المفاهيم وسيلة لتوحيد الخطاب العربي المعاصر، وهذا ينسجم تماما مع سياسة دولة قطر ورؤيتها في تعزيز الدبلوماسية الثقافية، واعتماد القوة الناعمة وسيلة للحد من الصراع الذي يسود العالم من الناحية الفكرية والإيديولوجية.
مضيفة: تفاءل العالم كثيرا بالتحول الرقمي، فما تقدمه الرقمنة لعالم المعرفة لا يمكن أن يقدمه جهدي بشري، ولكن الواقع يخبرنا أن هذه المعرفة تتسم بالفوضى، فضلًا عن كثير من المغالطات العلمية والمنهجية التي يعجز الباحث المبتدئ عن تمييزها. ومن هنا يتعرض حقل المعرفة للتشظّي وضياع العلم الحقيقي. ولكل هذا تحتاج ميادين الفكر والعلم إلى سلطة مرجعية موثوقة تكفي الباحثين من عناء التنقيب في مساحات فوضوية، وتميّز لهم بين الخبيث والطيب. وتضع أيديهم على المطلوب بأيسر طريق وأقل مؤونة، وكل ذلك من شأنه أن يتحقق لأن هذا المشروع يهدف إلى ضبط اللغة وتتبع سيرورتها ومساقاتها التداولية ثم نقدها وتفكيكها.
- تفكيك المفهوم
من جانبه أشار أ.د. محمد الخطيب في معرض حديثه عن إمكانية أن تعالج الموسوعة بعض المفاهيم التداولية إلى عنوان الجلسة «نحو قراءة جديدة في بنية المفهوم الإعلامي»، وقال: القراءة ليست عملية تجميلية لمفهوم موجود، وإنما تفكيك هذا المفهوم، من أمور ثلاثة: الجذور النظرية للمفهوم، وتفكيك السياقات الحضارية والثقافية التي بُني عليها هذا المفهوم، مشيرا الى أن المفهوم يحمل حمولات فكرية وتحيزات للبيئة التي نشأ فيها، والكلمة لها جغرافية تحيا فيها، ومن مهام هذه الموسوعة أنها تفكك هذه السياقات. والأمر الثالث هو المآلات الاستعمالية، أي كيف انتهى هذا المفهوم في العصر الذي يعيش فيه. مضيفا: نحن لا نكتفي في هذه الموسوعة بتعريف المصطلح وإنما نكشف كي بني معناه، ولحساب من يعمل هذا المصطلح.
- الخصوصية العربية
أما الإعلامي أحمد الشيخ فقال ردا على سؤال يتعلق بدور الموسوعة في الحفاظ على الخصوصية العربية: معظم الأسماء التي وردت في مجال طرح النظريات الإعلامية الجديدة خاصة فيما يتعلق بالإعلام الرقمي، وفي ضوء الموازنات الدولية الكبرى ما بين الشمال والجنوب. هذه النظرية نبعت من هذه الحقائق الجغرافية ووجدتُ للأسف أن معظم الأسماء التي وردت فيما كتب هي أسماء أجنبية لم أر بينها اسماً واحداً عربياً وهذا دليل على أننا قصّرنا في التفكير وطرح النظريات التي تنبع من ثقافتنا، ومن انحيازنا الحضاري. عليك ألا تنسى يوماً وأنت تعمل في مجال الإعلام أنك تنتمي إلى حضارة إلى ثقافة؛ وإن فقدتَ انحيازك إلى تلك الثقافة ضاع دليلك فتستخدم الكلمات على غير هدى، تضر جمهوراً ولا تنفعهم. إذن الموسوعة بدورها ستخدم هذا الجمهور بالتركيز على مثل هذه الخصوصية العربية.
وأضاف الشيخ: من خلال تعريف المصطلحات نريد أن نرتقي بجمهورنا ليعتبر نفسه في لحظة من اللحظات صانعا للمعنى وليس متلقيا له فقط. وتساءل: لماذا لا نعود اليوم صانعي فكر؟ ثم أردف: لأننا قصّرنا في متابعة ما يجري في العالم.
واقترح أن توجد الموسوعة صفحة تعطي الناس أدبيات بعض العناوين مثل تعلم الكتابة بالصورة، تساعدهم وتخلق جمهورا متعاطيا معها على الرحب والسعة، وأيضا تجرّبهم على أساليب التحقق من صحة ما يُطرح في وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرا الى أن هذا أيضا عمل عظيم ستجد الموسوعة من خلالها باحة عربية فسيحة.
إقرأ المزيد


