نازحو غزة.. القصف من أمامهم والبحر من ورائهم
الشرق -
عربي ودولي

0 غرق في السيول والدماء..

22 ديسمبر 2024 , 07:00ص

مشهد من غزة الأمطار زادت الطين بلّة

❖ غزة - محمـد الرنتيسي

في غزة، ثمة زخات من الرصاص، وأخرى من الأمطار.. الطائرات الحربية تدفن أحلام الأطفال، وسيول الأمطار الجارفة تأخذ دورها في الدمار والخراب، كل حجر في غزة اكتسى باللون الأحمر القاني، ودماء الأبرياء غطت كل ركن، في الوقت الذي تتحدث فيه الأرقام الباردة عن 45 ألف فلسطيني استشهدوا بنيران الاحتلال، وأضعافهم قتلوا في ذات المواجهة، رغم أن قطرة واحدة من دمائهم لم تسل، وما زالوا على قيد الألم.

القصف من أمامهم والبحر من ورائهم، ومن لم يمت بالصواريخ، قضى بالبرد أو السيول، فغزة من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها ما زالت تغرق في نهر جار من الدم، وجاءتها السيول لتزيد الطين بلّة.

وفيما يواصل جيش الكيان جنونه قصفاً وتدميراً، وملاحقة للنازحين في خيامهم، تواصل غزة حصر شهدائها، ودفنهم دون وداع أو مواكب تشييع كما يليق بالشهداء، أو حتى أكفان، بعد أن انفجر كل هذا الغضب، ليفرض على أهل غزة حسبة مختلفة، فتدخل السيول الجارفة هذه المرة على خط الدبابات وقذائفها، والطائرات وهديرها، وسائر عائلة السلاح القاتل.

كل شيء في غزة تغير فجأة، حتى أمطار الخير فقدت بهجتها، وأطفال غزة لم يفهموا ماذا يحدث، يحضنون عامود الخيمة في محاولة للاحتماء به، والتمسك بالحياة أمام الرياح العاتية والرعود الهادرة.. أسئلة كبيرة على وجوه الأطفال، بعد أن قضت الطفلة عائشة القصاص، ابنة الـ7 سنوات من شدة البرد، الذي أخذ ينخر أجسادهم الغضة.

ومن بين مئات المشردين، ثمة أطفال ونساء ومسنون، ما زالوا يدفعون ضريبة العدوان، يفترشون الأرض، بعد أن التحفوا السماء، وثمة تمتمة من العجائز «منهم لله.. ماذا فعلنا لهم كي نذوق كل هذا العذاب».

«خيمتنا طارت، ومياه الأمطار طفحت علينا، استيقظنا مفزوعين من شدة الرياح وغزارة الأمطار وهدير السيول، كنا نتدثر بأغطية رثة، وأخيراً خرجنا إلى العراء، خشية الغرق» قالت النازحة سلمى كيلاني من بلدة بيت لاهيا شمال غزة، مبينة أن اليوم الذي غرقت فيه خيمتها لم يكن عادياً، بحيث ظلت العائلة كلها في حالة ترقب وحذر شديدين، ما بين مراقبة الطائرات الحربية وحدة الأمطار.

وأضافت: «في المنخفض الجوي الأول هذا الموسم، كنا نقيم قرب شاطئ البحر، وكدنا نغرق لولا لطف الله، حيث جرفنا ارتداد الموج، وبصعوبة بالغة تمكن بعض النازحين من تمزيق الخيام التي كانت تلفنا وتمضي بنا إلى الغرق المحتم، فنجونا من موت محقق، واليوم نواجه البرد القارس والأمطار الغزيرة بخيام بالية وأغطية متهالكة».

وفي قطاع غزة، لم ينقطع خيط الدم منذ 15 شهراً، ونزحت العائلات الغزية أفرادا وجماعات، في معاناة لم يشهدها الفلسطينيون منذ نكبتهم عام 1948، لكن مع بدء المنخفضات الجوية الماطرة، بدأت فصول معاناة أخرى تتربص بأبناء غزة، فتدهورت أوضاعهم لتصل إلى أدنى مستوياتها.

يتساءل النازح يحيى الزويدي من بلدة بيت حانون: «من يحمي هؤلاء الأطفال ويقف معهم في هذه الظروف الصعبة؟ من يوفر لهم الدفء في هذه الأجواء العاصفة والباردة»؟.

ويواصل وقد تسمرت عيناه في السماء الملبدة بالغيوم المشبعة بالأمطار: «كانت جلساتنا في ليالي الشتاء تعج بالحياة، وكنا نعيش لمة العائلة والسهر مع الجيران والأصحاب، نعد ما لذ وطاب من الطعام والشراب، واليوم نستشعر تلك الأجواء ونفتقدها، ونحن عاجزين عن توفير لقمة عيش لأطفالنا، أو كومة من حطب تجلب لهم الدفء».

اقرأ المزيد

مساحة إعلانية



إقرأ المزيد