سكاي نيوز عربية - 6/5/2025 12:40:42 PM - GMT (+3 )

وما بين لقاء عراقجي مع الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، واجتماعاته الرسمية مع مسؤولين حكوميين، برزت محاولات واضحة لتظهير صورة من "الشراكة الاستراتيجية" مع الدولة اللبنانية، في ظل تصعيد سياسي حول ملف السلاح غير الشرعي، ومحاولات الحكومة الجديدة تثبيت أولويات سيادية تتصدرها مسألة احتكار الدولة للسلاح.
لكن الأكثر لفتا، أن الزيارة ترافقت مع لقاء وصفه مراقبون بـ"الناعم والخطير" جمع وفدا من كتلة حزب الله في البرلمان برئاسة الحكومة، حيث خرج الحزب معلنا، دون مواربة، أن موضوع السلاح يناقش "بشكل موضوعي يحفظ المصلحة"، في خطاب بدا كأنه يرسم سقف التفاهمات الممكنة، وربما حدودها القصوى.
انقلاب في الخطاب الرسمي؟
في قراءة للمشهد، اعتبر الكاتب والباحث السياسي أحمد عياش خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية" أن ما جرى هو أشبه بـ"انقلاب ناعم" على التوجهات التي رُوّج لها مع بداية تشكيل الحكومة الجديدة.
وقال عياش: "حقق حزب الله لصالحه من خلال هذا الحوار، حيث كان خطابه هو السائد مقابل صمت رسمي. مفارقة الدولة اللبنانية أنها كانت تكثر من الكلام عن أولوية نزع سلاح حزب الله، لنفاجأ اليوم بأن الأولوية باتت إعادة الإعمار ومواجهة الاحتلال، أي كل شيء قبل مناقشة السلاح".
يرى عياش أن هذا التحول لم يكن نتيجة نقاش وطني جامع أو ضغط خارجي، بل بفعل ما سمّاه "الانسحاب الطوعي من الدولة أمام نفوذ حزب الله"، مضيفًا: "العالم بأسره يترقب لبنان من زاوية واحدة: لا إعمار ولا استقرار ما دام هناك سلاح خارج سلطة الدولة. ولكننا نعود اليوم لنرى حزب الله يحدد الأولويات، ويخرج من رئاسة الحكومة من يردد خطابه تقريبًا، فيما يلتزم رئيس الحكومة الصمت".
هذا الصمت الذي أشار إليه عياش، لم يكن غيابا عن المشهد السياسي فقط، بل حمل، وفق قراءته، دلالات على "تراجع في الإرادة السيادية"، واستبدال الخطاب السياسي الذي يفترض أن يحدد جدول أعمال واضح لحسم ملف السلاح، بخطاب "التأني، والحوار، وأخذ الأمور بروية"، وهو ما اعتبره عياش وصفة للشلل السياسي المتجدد.
الزيارة التي قام بها عباس عراقجي إلى بيروت لم تكن في مضمونها بعيدة عن لقاءات الدعم التقليدي الإيراني، لكنها في توقيتها، جاءت كمحاولة لإعادة تثبيت النفوذ، مع تصاعد الخطاب الدولي المطالب بتطبيق القرار 1701، ونزع سلاح حزب الله، والذي عبّرت عنه بوضوح المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس خلال زياراتها الأخيرة إلى لبنان، بحسب عياش.
لكن الباحث السياسي لم يخفِ استغرابه مما وصفه بـ"الازدواجية الإيرانية" في الخطاب، قائلا: "الطرف الإيراني يأتينا بقناع الحمل، يقول إنه يريد المساعدة، لكن الحقيقة أنه هو المشكلة. إيران تمول وتدير حزب الله بشكل مباشر، والمطلوب منها إذا كانت صادقة في مساعدة لبنان، أن تطلب من هذا الطرف الانكفاء، وهذا ما لم يحصل ولن يحصل".
وبينما شدد عراقجي في تصريحاته على أن موضوع السلاح شأن داخلي لبناني، تساءل عياش بحدة: "لو سأل أي إنسان محايد من أين جاءت المليارات التي قامت عليها هذه البنية العسكرية؟ الجواب واحد: من إيران. كيف يمكن أن يكون الملف داخليا إذا؟"
الحكومة في زاوية ضيقة.. وخيبة أمل تتصاعد
بحسب تحليل عياش، فإن الحكومة اللبنانية الجديدة، برئاسة نواف سلام، دخلت في ما يشبه "الكمين السياسي"، فهي مطالبة دوليا بإظهار نية حقيقية لنزع سلاح الميليشيات، لكنها في الوقت ذاته، تسير تحت سقف مفروض من حزب الله، ما جعلها عاجزة عن فرض أي جدول زمني أو آلية عمل واضحة للتعامل مع السلاح.
ويضيف عياش: "ما نراه ليس مجرد تراجع في الخطاب، بل انقلاب عليه، ولا يمكن العودة إلى الوراء. الأوضاع انقلبت رأسا على عقب، ولبنان يدخل حلقة جديدة من الدوران في الفراغ".
أقنعة النفوذ الإيراني
وخلال مداخلته ختم عياش حديثه بإشارة رمزية إلى "عيد البربارة" في لبنان، وهو تقليد شعبي يرتدي فيه الأطفال أقنعة ويجوبون الشوارع، قائلا: "ما يمارسه الطرف الإيراني في لبنان يشبه طقوس عيد البربارة. يأتينا بوجه المساعدة وقناع الدعم، لكنه في الواقع، هو من يضع السكين في الجرح، ويمنع التئامه".
وتضع زيارة عراقجي، ولقاء وفد حزب الله بالحكومة، الدولة اللبنانية أمام مفترق طرق حاسم. فإما أن تختار السير بخطاب واضح يحدد مسؤوليات الجميع، ويضع مسألة السلاح على طاولة المعالجة الجدية، وإما أن تستمر في نهج المواربة، حيث يتقدم حزب الله في السياسة كما في الميدان، وتبقى الحكومة في موقع "المتلقي" لا "المبادر".
المرحلة المقبلة ستحسم ما إذا كانت بيروت قادرة فعلاً على إدارة التوازنات، أم أن قرارها السيادي بات مرهونًا بمن يملك فائض القوة، وفائض الخطاب. وفي كل الأحوال، فإن "الصمت الرسمي" لم يعد خيارًا قابلاً للاستمرار.
إقرأ المزيد